عباس مقادمي .. التلاوة .. والصوت

كتب / محرر الشؤون الدينية

  • تميزالقارئ الشيخ عباس بن محمد بن عباس بن عبدالله بن حسين بن علي بن محمد بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد  قريويش الذويبي الثبيتي العتيبي، وكانت شهرته “عباس مقادمي “بصوته الجميل الذي عرفه ابناء المملكة والعالم الإسلامي حيث عرف من بين اشهر القراء الذين حفظوا كتاب الله الكريم رغم فقدانه البصر في سن مبكرة  ..وقرأ في الحرم المكي في سنة 1370 هـ (1951) وهو أول من تلاه القرآن الكريم في الاذاعة السعودية في احتفال كبير في غرة محرم 1371 هـ (1952) برعاية الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عندما كان نائب الملك في الحجاز بمناسبة افتتاح استوديو مكة المكرمة والذي أقيم على جبل هندي (جبل قعيقعان)  وأول من تلاه في إذعة القرآن الخاصة بـ «أرامكو» واشارت الكتب التى اضيفت الى المكتبة العربية والإسلامية الى إن “المقادمي ” قد ظهر كقارئ متميز في وقت لم يكن لوسائل الإعلام تأثير كبير. واشتهر الشيخ عباس مقادمي بقراءته الحجازية وكان من المميزين لدى محبي القرآن الكريم في مشارق الأرض ومغاربها، لما تتميز به من أسلوب فريد، يختلف عن تلاوات أخرى كتلك التي تميزبها القراء في عدد من الدول الإسلامية .

وقد ولد الشيخ عباس مقادمي في عام 1342 هجرية / 1921م، في مكة المكرمة، كان كأي طفل صغير يشع مرحا وبسمة، لكنه أصيب في سن الثالثة من عمره بمرض الجدري في وجهه، وقتها لم يكن هناك إمكانات طبية للتعامل السريع مع هذا المرض، مما تسبب في فقدانه البصر وهو طفل لم يتجاوز الثالثة

في حي سوق الليل بمكة المكرمة تعايش مع واقعه الجديد في كنف والده الذي أراد أن يعوض ابنه نور البصر بنور الذكر الحكيم، فعهد به إلى عدد من الشيوخ البارزين في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، وكان على رأسهم شيخ القراء الشيخ أحمد عبدالله حجازي والشيخ، أحمد بن حامد بن عبدالرزاق التيجي الريدي، وقد لقب المقادمي بشيخ القراء بمكة المكرمة في وقته كما لقب بشيخ قراء الحجاز وذلك لعلمه الواسع والعظيم بقراءات القرآن الكريم وعلومه المختلفة وللعدد الكبير من العلماء والقراء المشهورين بمكة المكرمة والمدينة المنورة والشام واليمن ومصر الذين أخذوا عنه القراءات وأجازهم في ذلك الوقت. كان يعرف بين الناس والعلماء بتلمذته على أيدي شيوخ قراء كبار مثل الشيخ احمد التيجي. والشيخ محمد سعيد بشناق مدرس في مدرسة تحفيظ القرآن في زقاق الصواغ، والشيخ عبدالرؤوف مرعي شيخ المقرئين بجمهورية مصر ومدرس في تحفيظ القرآن الكريم،بمكه والشيخ سعد عون،وكان يدرس عند معلمة أصلها اندونسية اسمها الفقيها خديجة والشيخ حزين بالحرم الشريف  والشيخ جعفر جميل البرمكي، والشيخ محمد حسين عبيد والشيخ زيني عبدالله باويان مدرس في التحفيظ والشيخ عبدالصمد جمبي المدرس في تحفيظ القرآن الكريم والشيخ سراج قاروت والشيخ عمر الأربعين في القراءات، وفي الفقه والحديث علوي عباس مالكي في الحرم المكي، وكل المشايخ الذين ساهموا في تكوين شخصيته.

وقد ساهمت شخصية الصبي «عباس» المحبة للقرآن، فضلا عن سرعة البديهة والاستيعاب في أن يتخطى حاجز الإعاقة البصرية، فحفظ القرآن الكريم كاملا في سن صغيرة، كان رحمه الله متخلقا بآداب التلاوة وأخلاق القرآن، عالما بالتجويد وعلوم القراءات، شهد له شيوخه بالتفوق على أقرانه المبصرين. وحصل على المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة وشهادة شكر من الشيخ محمد علي زينل صاحب مدارس الفلاح في المملكة والهند وحصل على عدة إجازات وشهادات من مشايخ الوطن العربي تؤكد أنه أفضل قارئ للقرآن من الحجاز ورائد القراءة الحجازية، كان يقرأ في الحرم المكي الشريف عند بئر زمزم وعند باب بني شيبة وعمل مدرسا في مدارس الفلاح بمكة والفلاح بجدة والفلاح بالهند..

أما مدرسته في قراءة القرآن الكريم فجذبت إليه آلاف المحبين، لاسيما أنه كان يجيد القراءات كلها، وتميزت تلاوته بالقراءة الحجازية التي تميز أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة، فاستطاع أن يبرز ويرسخ أقدامه في وقت لم يكن لوسائل الإعلام تأثير كبير وواضح كما الحال في هذا العصر. وحينما أرادت إذاعة القرآن والتليفزيون السعوديين التسجيل مع الشيخ عباس مقادمي وهو يتلو القرآن الكريم صوتا وصورة، رفض ذلك بشدة مخافة أن يكون في ذلك محظور شرعي، وأصرعليه شيخه محمد سعيد بشناق للتسجيل في الإذاعة لكنه عدل عن رأيه حينما استيقن جواز الأمر، فوافق على التسجيل لاسيما بعد أن أقنعه القائمون على الأمر بأنه سينقل تلاوته إلى أجيال وأجيال نحو مئات السنين. بعدها وافق أيضا على التسجيل لإذاعة «أرامكو» فكان أول قارئ فيها.

 بعدها ذهب إلى الهند في مهمة تدريس، فكان ــ رحمة الله ــ أول قارئ سعودي يتردد صوته بالتنزيل الحكيم في الإذاعة الهندية، ومكث في الهند أربعة أعوام يعلم القرآن الكريم ويصدح بآياته آناء الليل وأطراف النهار دون أن يرده عن ذلك وهن ولا يمنعه فقدان بصر، على الرغم من المكانة الواسعة التي اكتسبها الشيخ عباس مقادمي، وعلى الرغم من أنه عهد إليه بافتتاح جميع المناسبات المحلية والدولية التي تقام في مكة المكرمة بما تيسر له من آيات الذكر الحكيم، إلا أنه لم ينشغل بذلك عن آخرته، فلم يكن حريصا على الدنيا حرصه على الآخرة، لذا خصص لنفسه وردا من القرآن الكريم وجلسات الذكر اليومية، كما كان حريصا على زيارة المقابر للموعظة والتذكير، ومما يؤثر عنه أنه كان يدعو لهؤلاء الموتى بأسمائهم، موقنا بأنه سيكون معهم في يوم من الأيام، وقد توفي رحمه الله عن 69 عاما في محل صديقه الشيخ إسحاق أبو الحسن البشاوري للنظارات في مكة بتاريخ 27/7/1411هـ. 

قرأ الشيخ عباس مقادمي القرآن الكريم في الحرم المكي بحضور شيخ القراء الشيخ أحمد حجازي وقراء الحجاز والشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذي أعرب عن انبهاره بالأداء المتميز للشيخ المقادمي، مؤكدا أنه استطاع أن يتنقل بأسلوبه تنقلات تصعب على غيره، ووصفه بأنه أستاذ التلاوة الحجازية. كتبت عنه الصحف المحلية والدولية والمجلات ووصفته تلكم الصحف بأنه رائد القراءات الحجازية، رحمه الله.. وأيضا كتب عنه في كتاب «العناية بالقرآن في القرن الثالث عشر» .

وكتب عنه الأديب عبدالقدوس الأنصاري في مجلة  «المنهل» في عدد المجلة الصادر في شهر  ربيع الأول 1371هـ ديسمبر 1951 “أحسنت إدارة الإذاعة السعودية في اختيار الشاب الشيخ عباس مقادمي، ضمن قراء القرآن المجيد، من محطة الإذاعة. لما جمع الله له من جودة القراءة، وحسن الصوت، وجمال النغمة وتأثير التلاوة. فسجلت له جميع سور القرآن، تخليدا لهذه القراءة الممتازة، ولهذه النغمة المتميزة الأصيلة التي قد تكون لها صلة بتلاوة ابن مسعود رضي الله عنه ذلك الصحابي الأشعري اليماني الذي قال له الرسول عليه السلام بعد أن استمع طويلا إلى تلاوته وهو لا يراه: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير داوود»”. 

وتحدث عن الشيخ المقادمي عدد من القراء الذين اشتهروا بقراءة القرآن حيث قال شيخ قراء جمهورية مصر فضيلة الشيخ محمد محمود الطبلاوي بأنه هو الأنسان الوحيد الخليجي الذي يقراء بصوته الشجي يقراء مجود وعنده التنقل النغمي ويعطي كل حرف حقه . وقال شيخ عموم قراء جمهورية مصر العربيه فضيلة الشيخ احمد المعصراوي  كنت أتمنى ان تبقى مدرسة الشيخ عباس مقادمي  وهو نوعية فريده الوحيده في الحجازخارج الحجاز بصوت مميز ويعد الشيخ عباس من جيل قراء الدوله المصرية .

اما فضيلة  الشيخ الدكتور الشيخ  عبد الله بن علي بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن في مجلة «الهدى» الصادرة عن الهيئة في 7/7/1430هـ “للمقام الحجازي في قراءة القرآن الكريم أداء جميل في نفوس محبي القرآن الكريم لما يتميز به من أسلوب فريد يلامس شغاف القلوب.. وحينما نتحدث عن القراءة الحجازية نرجع إلى الوراء ونتذكر صوت فضيلة الشيخ عباس مقادمي، رحمه الله”.

 وتحدث الشيخ زكي داغستاني «كان الشيخ عباس كريم الاخلاق، يحب الخير للناس وصوته جذاب في قراءة القرآن الكريم وكان (قارئ الدرجة الأولى ) يجيد القراءات ، ويتسم بالذكاء وقوة الملاحظة.في عام 1370هـ قرأ الشيخ عباس مقادمي ـ رحمه الله ـ القرآن الكريم في الحرم المكي الشريف بحضور شيخ القراء الشيخ احمد حجازي وجمعا من قراء الحجاز، وبحضور الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ـ القارئ المصري المعروف ـ الذي اعرب عن اعجابه بأداء الشيخ المتميز، ووصفه بانه استاذ التلاوة الحجازية».

وقال الشيخ محمد الكحيلي ــ (أحد جلساء الشيخ المقادمي في الحرم المكي الشريف): «كان الشيخ من الحكماء والكرماء، سخيا في معاملته مع الناس عزيز النفس، شديد الذكاء، متميزا في أدائه للقرآن الكريم».

وقال الشيخ محمد طاهر حناوي: كان المقادمي من القراء المتميزين بالحجاز وخارجها صاحب صوت شجي ومؤثر في النفوس، وكان عندما قرأ في المغرب الشقيق طلب منه الحضور أن يعلمهم القراءة الحجازية. وكان رجلا كريما مؤدبا متواضعا، وكل من جالسه أحبه وكان يتكلم بعدة لغات».

ويقول الشيخ سجاد مصطفى كمال الحسن أمين عام الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة إن «المقادمي أحد أشهر قراء عصره في مكة المكرمة والمملكة، سمعته وقابلته مرارا فهو صاحب صوت مميز ومن أوائل القراء الذين سجلوا للإذاعة السعودية وهو من جيل مشايخنا تميز بصوته العذب وحنجرته الذهبية وتنوع مقاماته الحجازية، وأنا طالب من طلابه». 

ورغم السنوات التى مضت إلا إن صوت الشيخ المقادمي ظل حاضراً في اذهان الكثير من ابناء العالم الإسلامي الذين يحتفظون بتسجيلات بصوته للقرآن كاملا لتكون مدرسة لكل القراء في العالم الإسلامي.

اترك تعليق

avatar
  Subscribe  
نبّهني عن